تعقيدات مشهد الحسم إسرائيلياً: صفقة تبادل أم اجتياح رفح؟

تعقيدات مشهد الحسم إسرائيلياً: صفقة تبادل أم اجتياح رفح؟

01 مايو 2024
من تظاهرة لإطلاق سراح المحتجزين، القدس المحتلة،الجمعة الماضي (عبير سلطان/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسرائيل تواجه خيارًا صعبًا بين اجتياح رفح لتحقيق نصر مطلق ضد حماس أو التوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، وسط ضغوط دولية ومخاوف من تبعات قانونية واحتجاجات ضدها.
- الضغوط الجديدة تشمل المخاوف من العواقب القانونية الدولية والضغط الأمريكي لتجنب الاجتياح، مما يدفع نحو قبول صفقة تبادل الأسرى رغم التأكيد على الضغط العسكري كسبيل للنصر.
- تحديات سياسية داخلية تواجه نتنياهو، بين تحذيرات القيادات العسكرية من خطورة الاجتياح وضغوط أحزاب اليمين المتطرف، مع تزايد الدعوات العامة لإعطاء الأولوية لإطلاق سراح الأسرى عبر صفقة تبادل.

يزداد المشهد الإسرائيلي تعقيداً بشأن اتخاذ قرار والحسم بين اجتياح رفح جنوبي قطاع غزة أو التوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار مع حركة حماس، وإن كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال أمس إن "فكرة إنهاء الحرب قبل تحقيقها جميع أهدافها غير واردة في الحسبان. سندخل إلى رفح ونقضي على كتائب حماس هناك بصفقة أو بدون صفقة، من أجل تحقيق النصر المطلق". وتدفع عوامل وقوى تدفع باتجاه التوصل إلى صفقة بينما هناك عوامل ومصالح وقوى أخرى تحث باتجاه الاستمرار في الحرب واقتحام رفح. ومنها ما هو مرتبط بالسياسية الداخلية، والاعتبارات العسكرية الاستراتيجية، والحسابات الدبلوماسية، ومنها صورة ومكانة إسرائيل الدولية.

أعلنت إسرائيل منذ بداية الحرب، على لسان وزير الأمن يوآف غالانت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الضغط العسكري فقط يمكن أن يؤدي إلى تحرير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، وأن أهداف الحرب هي القضاء على قدرات "حماس" العسكرية والسلطوية -الإدارية. وهو ما لم يحدث لغاية الآن. بل إن استمرار القتل والدمار في القطاع جاء بنتائج وضغوطات لم تكن إسرائيل تتوقعها قبل أشهر عدة. 

ضغوط حول اجتياح رفح

من الضغوط الجديدة الجدية على الحكومة الإسرائيلية، نتيجة حرب الإبادة على القطاع، هو تزايد مخاوف المؤسسة الإسرائيلية من إصدار مذكرات اعتقال دولية (من المحكمة الجنائية الدولية) بحق قيادات سياسية، منها نتنياهو وغالانت، وقيادات الجيش، منهم رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، بتهم ارتكاب جرائم حرب. مما يعني أن يتحول هؤلاء إلى مطلوبين في الدول الموقعة على اتفاق روما (نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية)، وهي صفعة معنوية وسياسية لإسرائيل. ما رشّح في الإعلام الإسرائيلي يفيد بأن هذا العامل يشكّل ضغطاً حقيقياً على متخذي القرار في إسرائيل، إذ يمكن أن يشكل سابقة قضائية سلبية تحُد من خطوات إسرائيل في المستقبل. وقد يكون ذلك أحد الاعتبارات التي قد تدفع الحكومة الإسرائيلية باتجاه قبول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار.

ويضغط عامل إضافي باتجاه قبول الصفقة، وهو حركة الاحتجاج الطلابية الواسعة في عدد كبير جداً من أهم جامعات الولايات المتحدة، والذي يطالب إدارة الجامعات بقطع العلاقات الأكاديمية والتجارية وسحب الاستثمارات من إسرائيل. وحتى لو لم تحقق هذه الاحتجاجات أهدافها العينية كافة، إلا أنها أوضحت أن صورة إسرائيل تغيرت لدى شرائح واسعة ومهمة ومؤثرة من جيل الشباب في الولايات المتحدة، إذ يأتي هؤلاء من الطبقات المتوسطة والعليا، وستكون بعد سنوات عدة في مفاصل مهمة من صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

اهتمت إسرائيل منذ تأسيسها بإقامة مجموعات دعم للحركة الصهيونية في الجامعات الأميركية

تؤثر هذه الاحتجاجات بشكل مباشر على الانتخابات الأميركية ومكانة الرئيس جو بايدن، والذي نجح في الانتخابات السابقة، من ضمن أمور أخرى، بسبب دعم فئة الشباب. تعي إسرائيل ذلك وتدرك أهمية التأثير على وعي ومواقف الطلاب في الجامعات الأميركية. فقد اهتمت إسرائيل منذ تأسيسها بإقامة مجموعات دعم للحركة الصهيونية ولإسرائيل في الجامعات الأميركية، وخصص رأس المال اليهودي مبالغ طائلة لدعم الجامعات الأميركية والغربية، بغية الفوز بموطئ تأثير فيها. كما يأتي الضغط المستمر من قبل الإدارة الأميركية بعدم اجتياح رفح من دون ترتيب خروج قرابة 1.5 مليون مهجّر فلسطيني منها، كعامل إضافي لقبول الصفقة، على الرغم من عدم معارضة الإدارة المبدئية للاجتياح واستمرار دعمها لحرب الإبادة.

تشكل هذه الأجواء جزءاً من الاعتبارات الإسرائيلية حول استمرار حرب الإبادة واجتياح رفح، في ظل التوقعات بوقوع آلاف القتلى المدنيين وتدمير المدينة. وإذا حصل ذلك فعلاً، ستنهار تماماً صورة ومكانة إسرائيل في العالم وتتصاعد الاحتجاجات وسيكون من الصعب على المؤسسات الأكاديمية الأميركية وغيرها، بل وعلى الإدارة الأميركية، أن تقف ساكنة من دون اتخاذ خطوات تجاه إسرائيل.

يحذر عدد متزايد من قيادات سابقة بارزة في الجيش الإسرائيلي، في الأسابيع الأخيرة، وقسم كبير منهم مقرب من قيادات الجيش الحالية، من خطورة اجتياح رفح ومن احتمال وقوع إسرائيل في فخ استراتيجي سياسي وربما أمني، يمكن أن يجبي أثماناً مرتفعة من الجيش الإسرائيلي. فضلاً عن أنّ اجتياح رفح لا يضمن بالضرورة تحقيق أهداف الحرب والقضاء على قدرات "حماس" العسكرية، بل قد تكون النتيجة شبيهة لما حصل في مناطق أخرى في القطاع لغاية الآن. وقد أرسلت مجموعة من 400 عائلة يخدم أبناؤها في جيش الاحتياط، أول من أمس الاثنين، رسالة إلى الوزيرين في حكومة الحرب بيني غانتس وغابي أيزنكوت يطلبون فيها منع اجتياح رفح حفاظاً على أرواح أبنائهم، خوفاً من أن تكون حركة حماس قد حضرت دفاعات وتحصينات قد تؤدي إلى خسائر جدية لقوات الجيش الإسرائيلي.

ثمن سياسي

يواجه نتنياهو تحديات سياسية جدية من قبل مركّبات الحكومة في حال قبل الصفقة وأيضاً في حال رفضها، إذ تحذّر أحزاب اليمين المتطرف، "الصهيونية الدينية" بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش و"القوة اليهودية" بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وأجزاء من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، من تراجع الحكومة عن اجتياح رفح وقبول الاقتراح المصري للصفقة. وأعلنوا أن ذلك يعني نهاية حكومة التحالف الحكومي وأنه لا توكيل لنتنياهو للقيام بذلك.

من جهة أخرى أعلن غانتس أن إطلاق سراح الأسرى أهم من اجتياح رفح حالياً، وهو بالمناسبة موقف المؤسسة العسكرية كما أشارت إليه تقارير إعلامية في الأيام الأخيرة. ولمّح غانتس، الأحد الماضي، إلى أن رفض صفقة معقولة لإسرائيل سيؤدي إلى خروج حزب المعسكر الرسمي من التحالف الحكومي. ويواجه غانتس في الأسابيع الأخيرة انتقادات متزايدة بسبب خضوعه لإملاءات نتنياهو، ومن تراجع مكانته في استطلاعات الرأي العام، ويشعر بأنه ملزم باتخاذ مواقف حادة تجاه دعم التوصل إلى صفقة.

قد تكون تصريحات الأحزاب الإسرائيلية من دون نوايا حقيقية للانسحاب من الحكومة

قد تكون تصريحات الأحزاب هذه موجهة بالأساس إلى قواعدها وداعميها، ولا تحمل نوايا حقيقية للانسحاب من الحكومة، خصوصاً من قبل أحزاب اليمين المتطرف، والتي تعي أن تفكيك التحالف يعني خسارة السلطة، وأن عودتها لتشكيل حكومة سيكون شبه مستحيل بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كذلك زادت في الأيام الأخيرة عائلات الأسرى والمحتجزين من وتيرة وحدّة احتجاجاتها المطالبة بالتوصل الفوري لصفقة تبادل، نتيجة للتقارير الإعلامية المتفائلة باقتراب التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حماس"، ونتيجة لنشر فيديوهات مصورة لمحتجزين يتوسلون لإطلاق سراحهم، ما زاد من قلق العائلات على مصير المحتجزين وارتفعت وتيرة حراكهم الشعبي، ورفع مستوى الضغط على الحكومة الإسرائيلية. هذا الحراك يشكل عامل ضغط على الحكومة عامة وعلى الوزراء غانتس وأيزنكوت بشكل خاص.  

تغيّر المزاج

تغيّر المزاج العام في إسرائيل فجأة، وبدأ العديد من المحللين الإسرائيليين وقيادات الجيش السابقة ووسائل الإعلام، وكذلك قسم متزايد من المجتمع الإسرائيلي، يتبني الموقف القائل إن إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين هو الهدف الأهم في هذه المرحلة ويجب إعطاء ذلك الأولوية، ولو أدى إلى عدم الحسم العسكري، وإنه بالإمكان إرجاء العمليات العسكرية في رفح واستكمال الحرب إلى مرحلة مقبلة. علماً أن كل هؤلاء كانوا داعمين منذ بداية الحرب على قطاع غزة لمواقف ورواية الجيش والمؤسسة العسكرية من دون انتقاد أو تردد. طالبوا جميعهم بالانتقام وتدمير قدرات "حماس"، بل وتدمير القطاع وتسوية مبانيه بالأرض من دون أي اعتبار.

تغيرت الآن الصورة وبات واضحاً أنه لا يمكن إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين إلا عبر صفقة تبادل، وأن استمرار الحرب واقتحام رفح يعني الحكم بالإعدام على عدد كبير من الأسرى والمحتجزين. قد يكون تغيّر المزاج هذا ناتجاً عن إدراك متزايد بخطورة المقاطعة الدولية وتأثير حركات الاحتجاج الطلابية في الجامعات الأميركية، والخطر الداهم على الاقتصاد الإسرائيلي بعد تراجع تدريج التصنيف الائتماني الدولي لإسرائيل وارتفاع العجز المالي في ميزانية الحكومة. يضاف إلى ذلك القلق من تزايد الخسائر البشرية في حال اقتحام رفح، والخوف من توسع جبهة الشمال على الحدود مع لبنان، ومن المعارضة العلنية الأميركية لاقتحام بري لرفح، ومن الإغراء بالتوصل لاتفاق تطبيع مع السعودية. باختصار، بات ثمن استمرار الحرب واقتحام رفح واضح للجميع.

التوصل إلى صفقة قد يعني إنهاء الحرب  من دون تحقيق أي من أهدافها

مقابل كل هذه الاعتبارات للتوصل إلى صفقة، هناك اعتبارات مقابلة تدعم رفضها، من وجهة نظر إسرائيلية، أبرزها أن تحرير الأسرى والمحتجزين سيكون بواسطة صفقة تبادل وليس بواسطة الأدوات العسكرية كما صرّح غالانت منذ بداية الحرب. قد يعني ذلك إنهاء الحرب على قطاع غزة من دون تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، وهو ما ترفضه لغاية الآن الحكومة الإسرائيلية بكافة مركّباتها. وسيكون الأمر ضربة ونكسة إضافية للجيش الإسرائيلي وغالانت تحديداً، إذ ستفقد إسرائيل، بالإضافة إلى تآكل قدرات الردع منذ السابع من أكتوبر، عامل الحسم في الحروب الذي كان إحدى ركائز عقيدتها العسكرية. وطبعاً هناك التهديد بأن تؤدي صفقة تبادل ووقف إطلاق النار إلى تفكك التحالف الحكومي. يترتب على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر أي ثمن تفضل أن تدفع. هل تفضل ثمن الصفقة أم ثمن استمرار الحرب وربما توسعها؟ ستوضح الأيام القريبة أي من الاعتبارات كانت أقوى وأكثر فاعلية على متخذي القرار في إسرائيل.