خلافات تجارية وجيوسياسية تسبق انعقاد قمة الصين والاتحاد الأوروبي

خلافات تجارية وجيوسياسية تسبق انعقاد قمة الصين والاتحاد الأوروبي

08 ديسمبر 2023
رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين تقود وفد أوروبا للقمة (Getty)
+ الخط -

بدأت أمس الخميس في العاصمة بكين أعمال القمة السنوية بين الاتحاد الأوروبي والصين لمناقشة قضايا التجارة والاستثمار في ضوء الاضطرابات الجيوسياسية والحروب في أوكرانيا وقطاع غزة.

وتأتي القمة وسط توتر أوروبي صيني على خلفية خلافات عدة، منها قرار إيطاليا الانسحاب رسمياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية الضخمة للبنى التحتية، بعد أكثر من أربع سنوات على انضمام الدولة الوحيدة في مجموعة السبع إلى المشروع.

وحسب تحليل بدورية "إي يو أوبزيرفر" الصادرة في بروكسل، فإن الكتلة الأوروبية لا تتوقع من هذه القمة أي نتائج تذكر، بسبب الخلافات الكبيرة بين الكتلة الأوروبية والصين. وحسب جدول القمة، فإن الاجتماعات ستستمر ليومين.

والتقى رئيسا المفوضية والمجلس الأوروبي، أورسولا فون ديرلاين وشارل ميشيل، ومنسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، بالرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، حسب صحيفة "فايننشال تايمز".

وقبيل انعقاد القمة وجهت إيطاليا ضربة قوية للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، حيث أبلغت روما بكين رسمياً "في الأيام الأخيرة"، بأنها ستتخلى عن مبادرة "الحزام والطريق" التي يقودها شي، حسبما ذكرت مصادر في الحكومة الإيطالية لرويترز يوم الأربعاء.

وذكرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية أن قرار انسحاب روما من هذا المشروع الضخم للبنى التحتية البحرية والبرية الذي أطلقته الصين في العام 2013، والذي كان منتظراً منذ عدة أشهر، أُبلغ إلى بكين قبل ثلاثة أيام.

وفي عام 2019، قررت إيطاليا التي كانت ترزح تحت وطأة دين حكومي قياسي وأزمات مالية ومصرفية، الانضمام إلى المبادرة الصينية لتصبح الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تشارك في برنامج الاستثمارات الصيني الضخم.

وتعول الصين على مبادرة الحزام والطريق في التمدد التجاري وتدويل عملتها الوطنية "اليوان"، بينما تتخوف أوروبا من مبادرة الحزام والطريق، وترى أنها تحاصر أسواقها التجارية داخلياً وخارجياً وتغرق الأسواق الأوروبية بالبضائع الصينية الرخيصة.

ورغم الخلافات التي سبقت القمة، حرص قادة الصين على تبريد الأجواء، حيث قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين التي تزور بكين، إن الصين مستعدة لتصبح شريكا اقتصاديا وتجاريا رئيسا للاتحاد الأوروبي، وفقا لما ذكره التلفزيون المركزي الصيني.

وبحسب وكالة بلومبيرغ، فإن الزعيم الصيني أكد، الخميس، استعداد الصين للعمل مع الاتحاد الأوروبي بشأن السلاسل الصناعية وسلاسل الإمداد. وأضاف أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي والصين خفض التعاون بينهما بسبب المنافسة بين الجانبين.

لكن في المقابل، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية قادة القمة، أمس الخميس، إلى معالجة "الاختلالات في التوازن والخلافات" بين الاتحاد الأوروبي والصين، بمناسبة أول قمة حضورية بين الطرفين منذ أكثر من 4 سنوات تعقد في بكين.

وتعد القمة الصينية الأوروبية هي الأولى التي تعقد وجهاً لوجه بين زعماء أوروبا والصين منذ العام 2020 الذي شهد جائحة كورونا.

ومنذ أن رفعت الصين القيود الحدودية الوبائية هذا العام، زار رؤساء التجارة والمناخ في الكتلة الأوروبية بكين عدة مرات، ولكن لم تثمر هذه الزيارات في إحراز تقدم يذكر بشأن نقاط الخلاف الرئيسية بين الجانبين. ويرى محللون أن نقاط الخلاف الرئيسية تتركز في دعم الصين لروسيا في الحرب الأوكرانية.

وحسب تقرير بقناة "سي أن بي سي" الأميركية، يرغب الاتحاد الأوروبي أن تستخدم بكين نفوذها لدى روسيا لوقف الحرب، ويرى التقرير على موقع القناة أن التركيز الرئيسي لزعماء أوروبا في هذه القمة سيكون هو حث قادة أوروبا الرئيس الصيني شي جين بينغ على اتخاذ خطوة لمنع الشركات الصينية من تصدير سلع أوروبية مزدوجة الاستخدام إلى روسيا لمساعدتها في الحرب ضد أوكرانيا.

وكانت بروكسل قد استبعدت الشركات الصينية من أحدث حزمة عقوبات على روسيا في الشهر الماضي، على أمل أن تناقش المجموعة هذه النقطة الحساسة خلال قمة بكين الجارية حالياً.
ويرى محللون أن هنالك فرصاً ضئيلة لنجاح هذه القمة بسبب الخلافات الكبيرة حول المصالح التجارية والاقتصادية والاستراتيجية بين الطرفين، إذ ترى بكين أن أوروبا ليست مستقلة في قرارها وتابعة لواشنطن، وبالتالي فهي تتعامل مع الصين ضمن استراتيجية أميركا الرامية لمحاصرة الصين اقتصاديا وتجارياً واستثمارياً.

في هذا الصدد، تقول الخبيرة الاقتصادية أليشيا غارسيا هيرورو، في تحليل بمعهد بروغيل للدراسات في بروكسل، إن العلاقات التجارية التي كانت متوازنة بين الطرفين قبل كوفيد-19، أصبحت الآن في صالح بكين إلى حد كبير مع فائض لصالحها قدره 400 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي.

ولاحظت هيرورو، الزميلة بمعهد بروغيل الأوروبي، في تحليلها الذي كتبته في بداية الأسبوع الجاري، أن الاتحاد الأوروبي لا يعاني من أي خلل تجاري مماثل في الميزان التجاري مع أي اقتصاد كبير آخر سوى الصين. وبالتالي بالنسبة للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي يعد هذا دليلاً على أن الصين تمنع دول الكتلة من الوصول إلى أسواقها، كما لا تزال العديد من القطاعات الصينية مغلقة أمام المنافسة الأجنبية.

كما يدور الخلاف بين الجانبين أيضاً حول السياسة الصناعية التي تنتهجها الصين، والتي تنظر إليها المفوضية الأوروبية باعتبار أن بكين تنتهج منافسة غير عادلة، بسبب الدعم القوي الذي تقدمه الصين للصناعات الحيوية التي تتنافس مع الصناعات الأوروبية. وهو اتهام تنفيه الصين ولكنه يقلق أوروبا.

أما العامل التجاري الثاني، فهو الخلاف حول سياسة توطين الواردات التي تنتهجها بكين، التي تنظر إليها أوروبا كأحد الأسباب الرئيسية لانخفاض صادراتها إلى الأسواق الصينية. وتتبنى بكين سياسة توطين الواردات أو ما يعرف بـ"صنع في الصين"، وتطلب من الشركات الأجنبية التي تصنع في أراضيها شراء المنتج المحلي وليس المستورد.

ويرى محللون أوروبيون أن هذه السياسة تحرم الشركات الأجنبية من الاستيراد من مصانعها في أوروبا، وبالتالي تساهم في ارتفاع ميزان العجز التجاري الأوروبي مع الصين. وتستهدف بكين من سياسة "صنع في الصين" خفض الواردات وإنعاش السوق المحلي.

أما نقطة الخلاف التجارية الثالثة التي تضعها القمة أمام القادة الأوروبيين والصينيين، فهي هيمنة الصين على التكنولوجيا الخضراء، وخاصة الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية، التي أدت إلى زيادة هائلة في واردات الاتحاد الأوروبي من الصين، ورفعت العجز التجاري بين دول الكتلة والصين. إذ تبلغ حصة الصين من صادرات الألواح الشمسية في العالم 90%.

وعلى صعيد السيارات الكهربائية، يرى الاتحاد الأوروبي أن هنالك صعوبة في منافسة صناعة السيارات الأوروبية لواردات السيارات الكهربائية الصينية، التي تحظى بالدعم الحكومي.

ويعد قطاع السيارات أحد أهم الصناعات في الاتحاد الأوروبي، إذ يوظف أكثر من 14 مليون شخص. وربما يكون هذا هو السبب وراء قيام الاتحاد الأوروبي بتقديم تحقيق لمكافحة الدعم لدى منظمة التجارة العالمية ضد المركبات الكهربائية المنتجة في الصين في الصيف الماضي. ولكن بكين تنفي تهم تقديم الدعم لصناعاتها.

المساهمون