ارتفاع أسعار القمح وسط شكوك حول نجاح اتفاقية تصدير القمح الأوكراني

كلف الطاقة والأسمدة تفاقم أسعار الغذاء العالمي

28 يوليو 2022
مزارعو أوروبا يواجهون معضلة الكلفة المرتفعة للأسمدة والطاقة (getty)
+ الخط -

في الوقت الذي افتتح فيه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في مدينة إسطنبول، الأربعاء، مركز التنسيق المشترك لتصدير الحبوب الأوكرانية، وفقاً للاتفاقية الموقعة بين موسكو وكييف برعاية الأمم المتحدة وبوساطة تركية، تزايدت مخاوف تجار من إجهاض روسيا الاتفاق، خاصة بعد ضرب قواتها ميناء أوديسا الأوكراني، وعودة موسكو للحديث عن ضرورة رفع العقوبات الغربية.

ويبدو أن شكوك تجار الحبوب تتزايد حول تنفيذ موسكو الاتفاق الذي وقعته مع أوكرانيا بوساطة تركية للسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية من الموانئ المحاصرة في البحر الأسود.
ويدلل هؤلاء على مخاوفهم بارتفاع أسعار القمح في بورصة شيكاغو للسلع الأولية أمس الأربعاء بنسبة 3.25% إلى 807 دولارات للطن المتري. كما ارتفعت كذلك أسعار الحبوب في بورصة لندن أمس بنسب متفاوتة، ولكنها كلها تعكس في النهاية القلق العالمي تجاه نجاح الاتفاق، بحسب تجار.
ووفق خبير الملاحة البحرية بوكالة "ستاندرد اند بورز غلوبال إنتيلجنس"، دياجين لي، فإن الاتفاقية الروسية الأوكرانية حتى في حال التزام روسيا بها فإنها لن تمنح أوكرانيا السيطرة الكاملة على تصدير منتجات الحبوب، وستكون الصادرات وفقاً للمصالح التي تخدم مسارات السياسة الروسية.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي آندريه رودينكو قد قال أمس الأربعاء إن اتفاقاً بوساطة تركية يسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ على البحر الأسود قد ينهار إذا لم تزل العقبات أمام الصادرات الزراعية الروسية على الفور، بحسب ما ذكرت وكالة انتر فاكس الروسية، وهو ما يعني أن روسيا ترغب في مقايضة تصدير الحبوب برفع جزء من العقوبات الاقتصادية الغربية التي تم تجديدها يوم الثلاثاء عليها في أوروبا.
وبحسب خبراء فإن روسيا تستخدم سلاح الغذاء والطاقة في حربها الجارية ضد أوكرانيا، ولكن من جانبها تنفي موسكو ذلك وترمي أزمات الغذاء والطاقة العالمية على الدول الغربية. وبالتالي من غير المستبعد أن تستمر أزمة الحبوب العالمية وغلاء المنتجات الزراعية خلال العام الجاري، خاصة أن أمن الغذاء العالمي الذي تفاقم بسبب الحرب الروسية يمر بمنعطفات حرجة وتحديات عديدة، من بينها الجفاف وحظر بعض الدول إمداداتها من الحبوب والمنتجات الغذائية وارتفاع أسعار الطاقة من النفط والغاز الطبيعي التي أثرت بشكل مباشر على ارتفاع كلف إنتاج المواد الغذائية وتصنيعها.
في هذا الشأن ترى دراسة صدرت عن وكالة الطاقة الدولية أن الحرب الروسية على أوكرانيا ساهمت في قطع سلاسل الإمداد بالأسواق العالمية، ليس فقط بالنسبة للحبوب والقمح ولكن كذلك بالنسبة للمواد الداخلة في الإنتاج الزراعي، وعلى رأسها المشتقات البترولية والغاز والأسمدة والمواد الكيميائية وكلف الكهرباء التي تضاعفت أسعارها بمعدلات خيالية ورفعت من كلف الغذاء العالمي  وباتت تهدد بمجاعة طاحنة في العديد من الدول النامية والفقيرة.
ولاحظت الدراسة أن الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية تستخدم بكثافة الطاقة في مراحل الإنتاج والتصنيع على حد سواء وأن كلف الطاقة بالإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي تراوح بين 40 إلى 50% من إجمالي كلف إنتاج المواد الغذائية.

من جانبها تشير دراسة لمنظمة الزراعة العالمية "فاو" إلى أن قطاع المنتجات الغذائية بالدول المتقدمة يستهلك نحو 30% من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة.
وتقول دراسة "فاو" إن الزراعة والإنتاج الحيواني وتربية الأسماك تستهلك وحدها 25% من هذه الطاقة وإن تصنيع الأغذية يستهلك منها نسبة 48%.
وبالتالي يقول البنك الدولي إن الحرب الأوكرانية ضغطت على أسعار الغذاء العالمي بطرق عدة، من بينها ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي عالمياً وتحديداً في أوروبا.
من جانبه يقول معهد العلاقات الخارجية البريطاني "تشاتام هاوس" في تحليل كتبته مجموعة من الخبراء إن أسعار الأسمدة العالمية ترتفع تبعاً لارتفاع أسعار الطاقة.
ويضيف أن أسعار الأسمدة ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 13 عاماً منذ بداية التوتر العسكري وحشود القوات الروسية على الحدود الأوكرانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وحسب الدراسة فإن روسيا تصدر نحو سدس الصادرات العالمية من الأسمدة. كما يشير إلى أن الصين من جانبها علقت تصدير الأسمدة المصنوعة من الفوسفات في يوليو/ تموز الماضي.
وفي ذات الصدد تشير دراسة وكالة الطاقة الدولية إلى أن أسعار الطاقة ترفع بشكل مباشر من أسعار الأسمدة العالمية، إذ إن الغاز الطبيعي ينتج الأمونيا التي تحول إلى يوريا، وبالتالي إلى أسمدة لتخصيب الأراضي وزيادة الانتاج. وتستهلك صناعة اليوريا العالمية نحو 170 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي أو ما يعادل نسبة 4.0% من إجمالي الاستهلاك العالمي من الغاز الطبيعي.
وتعد كل من الصين ودول الاتحاد الأوروبي التي تعاني حالياً من أزمة غاز بسبب تراجع إمدادات الغاز الروسية عبر الأنابيب والولايات المتحدة التي ترفع فيها أسعار الوقود والهند وروسيا من كبار الدول المنتجة للأسمدة في العالم.
وتنتج هذه الدول نحو ثلثي الإنتاج العالمي من الأسمدة، ولكن الدراسة لاحظت أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تُعدّ المصدر الصافي للأسمدة، لأن باقي الدول الكبرى في إنتاج الأسمدة تستهلك الإنتاج محلياً. وتعد روسيا المصدر الأكبر للأسمدة في العالم، خاصة لدول الاتحاد الأوروبي. وتستورد الهند 30% من حاجتها للأسمدة، بينما تستورد البرازيل نحو 100% من استهلاكها من الأسمدة من الخارج.

يذكر أن روسيا تهيمن على صناعة النفط والغاز الطبيعي بالعالم وبالتالي فهي أكبر محرك لأسعار الطاقة في العالم وأن لها استراتيجية متكاملة لتحديد مسارات الطاقة وأسعارها لخدمة أهداف توسعها الجغرافي وتمدد نفوذها في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد الزراعي، وحسب معهد " تشاتام هاوس"، فإن روسيا إضافة إلى هيمنتها على تجارة القمح فإنها ثاني أكبر مصدر لزيت عباد الشمس ورابع أكبر مصدر للذرة الشامية.